لقاء مع محسن الطبيش حول متحف بطل لبنان يوسف بك كرم

دار بطل لبنان يوسف بك كرم في زغرتا يعود الى سابق عهده
محسن الطبيش "ما قمنا به ينبع من الوفاء والمحبة لكرم وبطولاته وايمانه وتضحياته"

أجرى الحوار الزميل سركيس كرم

بعد سنوات طويلة من الأهمال المتمادي والمؤسف وبعد ان عجزت الدولة والبلديات المتعاقبة والمؤسسات المفترض ان تحافظ على التراث الوطني عن أعادة أعماره، عاد دار بطل لبنان يوسف بك كرم في مدينة زغرتا إلى سابق عهده ورونقه المعماري وأناقته الهندسية بفضل مبادرة فردية قام بتحقيقها على نفقتهم الخاصة أبناء المرحوم سعيد الطبيش الذين صمموا على أعادة أعمار البيت التراثي الذي تمّ تشييده عام 1777 والذي ولد فيه عام 1823 وترعرع بين أرجائه أمير الأبطال يوسف بطرس كرم. ومن المعروف ان هذا الدار العريق قد أستضاف منذ تشييده حتى مطلع القرن الماضي الأمراء وكبار المسؤولين فضلاً عن مختلف مكونات المجتمع اللبناني ومن كافة الطوائف.  وبعد أكتمال عملية أعادة البناء وفقاً للمعايير الهندسية الدقيقة، يجري اليوم تطبيق المرحلة التالية من المشروع حيث يتم تحويل الدار إلى متحف خاص ببطل لبنان يوسف بك كرم بحسب المواصفات العالمية المطلوبة. كما يسعى السيد محسن الطبيش الذي تبرع بكافة نفقات شراء الدار والبناء ومحتويات المتحف لكي تضم وزارة السياحة اللبنانية الدار إلى قائمة المعالم السياحية والتراثية في لبنان، ولكي يحفظ الدار بأسم يوسف بك كرم حيث لا يتم بيعه او أستثماره او استخدامه خارج اطار المحافظة على تراث كرم ونشر رسالته الفكرية والانسانية والايمانية والأضاءة على نضاله الوطني.  ويناشد محسن كل من بحوزته أشياء ذات صلة بمرحلة يوسف بك كرم الأتصال به بغية العمل على عرضها في المتحف بعد التأكد من أصالتها عبر لجنة الآثار سواء أكان ذلك بالشراء لمصلحة المتحف أو عرضها فيه على أن تظل ملكيتها لصاحبها. ولفت إلى أنّه قد حصل على مجموعة كبيرة من المخطوطات والمراسلات والكتب والصور وعدد من البواريد والسيوف التي كانت تخص كرم ورجاله بالأضافة الى ملابس وأغراض وتحف ولوحات ومنشورات.
ويؤكد هذا المشروع التاريخي بأنه مهما طال الزمن ستظل سيرة يوسف كرم حية في ضمائر كل الأوفياء لسيرة الأجداد النبيلة والمخلصين للمبادىء التي لا يقوم الوطن ألا عبر أعتمادها، لأن من لا يحترم تاريخه المشرّف لا يقدر ان يبني حاضره على أسس سليمة ولن ينجح برسم الطريق نحو مستقبل أفضل.
وقد أغتنمنا فرصة وجود السيد محسن الطبيش في سيدني في زيارة خاصة لنجري معه هذا الحوار حول مشروع متحف يوسف بك كرم ومراحل أعادة البناء. 
******

س. ما الذي دفعكم الى تبني هذا المشروع الشاق والمكلف؟
من المعلوم انه كانت هنالك محاولات في السابق بهذا الصدد لم تثمر لأن الدولة والوزارات المعنية لم تتجاوب كما يجب. ونظراً الى أهمية الدار التاريخية والتراثية وبعدما راجعت كافة تفاصيل ملكية الدار والمراحل التي مر بها قررت أخذ المهمة على عاتقي عملاً بوصية المرحوم والدي سعيد الطبيش. فنحن في الأساس كنا نفكر ببناء كنيسة غير ان والدي أصر علينا قبل وفاته ان نتبنى مشروع بناء الدار الكرمي قائلاً انه هناك ما يكفي من الكنائس في المنطقة. وهنا أذكر حسرة والدي وعمي المرحوم بطرس الطبيش  والتي عبروا عنها في مراحل مختلفة بقولهما "مش حرام يكون بيت يوسف بك كرم مهمل بها الشكل"، لكن تفاصيل ملكية البيت ووضعيته لم تكن واضحة آنذاك الى ان بادرت منذ عامين الى شراء البيت من مالكه السيد سمعان جميل كرم.  ويذكر أن دار كرم بني عام ١٧٧٧ على يد الشماس فرنسيس كرم لتنتقل الملكية بعده إلى ولده يوسف فحفيده بطرس والد بطل لبنان يوسف بك كرم ومن ثم عبر الإرث إلى رزق يوسف كرم ومنه إلى ابنته دلال، لينتقل المنزل بعدها عبر الشراء إلى سمعان كرم لتنتقل ملكيته لي بعد ان أشتريته كما ذكرت. 
س. ماذا يعني لك يوسف بك كرم وكيف تشعر حيال المشروع بعد عامين من التعب؟
يوسف بك كرم هو مثالي الأعلى في البطولة والايمان والقيم وهو مدرسة بالوطنية والمبادىء
والتضحية ومصدر فخر لكل لبنان. وهنا أشير الى انني بدأت أجمع كل ما له علاقة بكرم منذ 25 سنة وقمت بشراء كل ما أستطعت ان أحصل عليه من قطع واسلحة ووثائق حتى بات لدي مجموعة هامة قبل البداية بالمشروع.  اما بالنسبة الى المشروع بحد ذاته فالبداية كانت صعبة للغاية لا سيما عندما عاين الموقع المهندسون الذين أعربوا عن تخوفهم من حصول تعقيدات في البناء كون البناء يتألف من ثلاثة طوابق "عقد" وهذا النوع من البناء الهندسي القديم يندر وجوده في لبنان بثلاثة سقوف من "العقد". أضف الى ذلك التكاليف المادية التي قدرت بنصف مليون دولار لأعادة البناء والترميم فقط. كما كان هنالك صعوبة بأيجاد العدد الكافي من الحجارة الذي يعود عمرها الى حقبة ال1777 وقد أضطررنا الى شراء ما يناهز العشرين ألف حجر من نفس النوعية من بيوت قديمة بكلفة عشرة دولارات للحجر الواحد. وتجدر الاشارة الى ان نصف البيت كان ما زال قائماً والنصف الآخر كان منهاراً عند انطلاق المشروع.
س. بعد انتهاء عملية البناء، كيف يتم اعداد المتحف وتجميع محتوياته وادارته؟
سيقسم المتحف الى ثلاثة أقسام. القسم الاول الذي يقع في الطابق الأرضي سيضم المطبخ ولوازم
البيت التي تشمل الأجران وادوات الطهي التي أستعملت للطهي ليس للعائلة القاطنة فيه فقط وانما لمئات من رجال كرم وضيوفه. القسم الأهم سيكون في الطابق الثاني  وسيضم المكتب حيث كان يكتب كرم ويعقد اجتماعات هامة مع المسؤولين، والصالونات الرسمية والصور واللوحات والوثائق والمخطوطات والتحف وغيرها. اما الطابق الثالث فسيضم غرفة نوم كرم وبرج المراقبة الذي تحصّنه خمسة متاريس. وما زلنا نشتري القطع والأشياء التي نعرف بوجودها عند الناس، لكن البعض يطالب بأسعار تفوق السعر الحقيقي ظناً منهم اننا نقوم بمشروع تجاري فيما نحن في الواقع لا نرمي ابداً الى الاستفادة من المشروع او المتاجرة به. وهنا لا بد من الاشارة الى انني تقدمت بطلب من معالي وزير الثقافة غابي ليون لأعتبار الدار من الأبنية الأثرية وأدخاله في قائمة الجرد العام للأبنية الأثرية والتراثية. وهذا يؤكد ان المشروع ليس للتجارة والربح المادي والدخول الى المتحف سيكون مجانياً، لكن قد يوضع صندوق يتبرع من خلاله من يشاء للفقراء والمحتاجين. وأنوّه ايضاً انه لدى أدراج الدار على قائمة الجرد العام، ومع انني المالك، لا يعود بوسع أحد بيعه او شرائه اذ يصبح في عهدة الدولة وبأسم يوسف بك كرم فقط مما يحول دون حصول اية مطالبة لأستملاكه خارج اطار تصنيفه على قائمة الجرد العام. 
س. ما هو شعور الناس حيال المشروع وما هو دور الرعية والبلدية والدولة ومؤسسة يوسف بك كرم؟
ردة الفعل منذ انطلقنا بالمشروع وحتى الساعة تعكس محبة الناس لبطل لبنان وفرحتهم وامتنناهم. وقد تجلّت النخوة الزغرتاوية في أبهى صورها ومن قبل كافة عائلات زغرتا والزاوية ولسان حالهم ان يوسف بك كرم يجسّد تاريخ زغرتا وليس تاريخ عائلة واحدة دون سواها. اما بالنسبة الى المساهمة المادية فنحن لم نقبل اية مساعدة من هذا النوع، بل حرصنا على دعوة من يملك قطع اثرية قديمة تعود الى عهد كرم الى عرضها في المتحف من خلال بيعها او تقديمها لتعرض بأسم صاحبها. ومن أهم القطع التي أصبحت من املاك المتحف هي احدى سيوف كرم القتالية وما زلنا نفاوض للحصول على سيفه الذي كان يحمله في الصور والمناسبات الرسمية. وقد رحبت الرعية بالمشروع وعلى رأسها الأب اسطفان فرنجية وكل الكهنة وكذلك رئيس دير مار سركيس. ونحن تعني لنا الكثير مباركة الرعية ومساندتها. اما البلدية فقد زار الدار رئيسها الاستاذ توفيق معوض مرتين ووفر بعض التسهيلات، كما قدم للمتحف وثيقة قدمتها البلدية منذ تسعين سنة لأدراج البيت في قائمة الآثار.  وفيما يخص الدولة فأن وزير الثقافة كان صريحاً عندما قال منذ البداية ان من واجب الدولة تبنّي المشروع لكنها عاجزة عن ذلك لا سيما وان  كل موازنة الوزارة لا تتجاوز النصف مليون دولار اي ما يوازي قيمة تكلفة البناء فقط. غير ان الوزير ابدى كل استعداد لأدراج الدار على قائمة الجرد، والقيام بالتالي بتعيين موظف للعمل كدليل سياحي  في المتحف مع موظف آخر فضلاً عن تبني تكاليف صيانة البيت التي لن تتجاوز العشرة آلاف دولار في السنة. كذلك رحبت الآنسة ريتا سليم كرم، رئيسة مؤسسة يوسف بك كرم، بالمشروع وأيدت فكرة المتحف وأبدت استعدادها لدعم الفكرة.
س. ما هي النشاطات التي ستقام بالمتحف بعد أفتتاحه بصورة رسمية ومتى سيكون الأفتتاح؟
نأمل ان نقيم حفل الأفتتاح في حزيران القادم بحضور رسمي وشعبي كبير. وعندها يصبح بأمكان الادباء والكتاب والمفكرين والفنانين أقامة ندوات ومحاضرات وتوقيع كتب وعرض مسرحيات في القسم المخصص للأعمال الثقافية التي تلتقي مع روحية المتحف ومع سيرة بطل لبنان يوسف بك كرم. كما اننا سننشىء موقعاً الكترونياً يغطي أخبار المتحف. وهنا أحيي كافة الكتاب والادباء والاعلاميين الذين ساهموا بتسويق فكرة المشروع ودعمها فكرياً ومعنوياً واعلامياً وفي طليعتهم الاساتذة انطوان القوال ومحسن ادمون يمين والاعلامية الاستاذة حسنا سعادة. وأدعو هنا المنتشرين الى تغطية أخبار المشروع عبر الوسائل المتوافرة لديهم على الأنترنيت وغيرها لكي يعرف جيل الشباب به مما يشجعهم وأهاليهم على زيارة المتحف عندما يزورون لبنان.
س. كيف كانت زيارتكم الى اوستراليا وماذا تقول لأبناء الجالية؟
لقد لمست الغيرة والمحبة الأصيلة لدى ابناء الجالية في اوستراليا الذين ما زالوا رغم بعد المسافات يتعلقون بقيم الشهامة والأصالة وبتراث اجدادهم. نحن نكبر بالمنتشرين لأنهم من المعدن الأصيل. وأحيّي هنا اوستراليا التي تحافظ على التراث وتثمّن أهميته. كما أتوجه بالشكر من كل الأهل والأصدقاء والمؤسسات ووسائل الأعلام على الحفاوة التي غمروني بها. وأختم بالقول ان ما قمنا به ينبع من الوفاء والمحبة لكرم وبطولاته وايمانه وتضحياته،  وهذا الأنجاز هو لكل زغرتا الزاوية وللبنان وعالم الأنتشار وللأجيال القادمة حتى لا تنسى تاريخها المشرّف، ونحن على استعداد لبذل المزيد من اجل الأضاءة على سيرة هذا البطل الكبير وتاريخه الحافل بالعطاء والفروسية الانسانية والفكرية والعسكرية.

CONVERSATION

0 comments: